الخميس، 20 مايو 2010

وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
**قال الله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، أي: إلا لهذه الحكمة وهي عبادته تعالى بما أمر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يتم صلاح ولا تنال سعادة في الدارين إلا بها. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: اختلف العلماء في معنى قوله: ((إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) فقال
بعضهم: المعنى: ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم كما يدل عليه قوله تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89]، وهذا القول نقله ابن جرير عن زيد بن أسلم و سفيان . وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق فيها المجموع وأراد بعضهم، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، ومن أوضحها قراءة حمزة و الكسائي : (فإن قتلوكم فاقتلوهم) من القتل لا من القتال. أما القراءة الأخرى وهي قراءة حفص عن عاصم فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البقرة:191] ليس فيها إشكال، لكن إذا قلنا: (فإن قتلوكم فاقتلوهم) على هذه القراءة يكون المعنى: فإن قتلوا بعضكم، فأطلق الكل وأراد البعض. ثم يقول: ومن شواهده العربية قول الشاعر: فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا من يدي ورقاء عن رأس خالد فقوله هنا: (فسيف بني عبس وقد ضربوا به) يفهم من الشطر الثاني أن المقصود بسيف بني عبس الذي ضربوا به هو أن الذي ضرب به هو واحد، لكن نسب السيف إليهم جميعاً. يقول: فتراه نسب الضرب لبني عبس مع تصريحه أن الضارب الذي نبا بيده السيف عن رأس خالد يعني ابن جعفر الكلابي هو ورقاء يعني ابن زهير العبسي . من ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة الحجرات: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا [الحجرات:14]، بدليل قوله تعالى: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:99]. وقال بعض العلماء: معنى قوله: ((إلا ليعبدون)) أي: إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً؛ لأن المؤمن يطيع باختياره، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبراً عليه. وهذا كما قلنا: عبودية اختيارية، وعبودية اضطرارية، ومعنى العبودية الاضطرارية: أن سنن الله وأحكام الله تنفذ على الكافر رغماً عنه، إذا شاء الله له أن يولد يولد، وإذا شاء الله له أن يمرض يمرض، وإذا شاء الله له أن يموت في وقت معين يموت في نفس هذا الوقت، وإذا شاء الله أن يعزه يعتز، أو يذله يذل وهكذا، فأفعال الله وقضاء الله ماضية فيه لا انفكاك له عنها، فهذه هي العبودية الاضطرارية. ثم يقول: ويدل له قوله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا [الرعد:15] والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله عز وجل، وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً. أي: فالجميع في حالة العبودية، فعلى هذا الأساس اللام في قوله: (إلا ليعبدون) لام التعليل، أي: لإرادة أن يعبدون. إذاً: الإرادة هنا إرادة شرعية. يقول الشنقيطي : وعن مجاهد أنه قال: ((إلا ليعبدون)) أي: إلا ليعرفوني، واستدل بعضهم لهذا القول بقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] ونحو ذلك من الآيات. وعن مجاهد أيضاً في معنى قوله: ((إلا ليعبدون)) أي: إلا لآمرهم بعبادتي، فيعبدني من وفقته منهم لعبادتي دون غيره. وعلى هذا القول: فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله: ((ليعبدون)) إرادة دينية شرعية، وهي الملازمة للأمر، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل بطاعة الله، لا إرادة كونية قدرية؛ لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن، والواقع خلاف ذلك، بدليل قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:1-3] إلى آخر السورة.
القول الفصل في معنى قوله تعالى: (إلا ليعبدون)
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة: ((إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) أي: إلا لآمرهم بعبادتي، وأبتليهم أي: أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية؛ لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم. قال تعالى في أول سورة هود: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7] ثم بين الحكمة من هذا الخلق، بقوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]. إذاً: كلمة: (لِيَعْبُدُونِ) تساوي في التفسير: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [هود:7]. ثم قال الشنقيطي : وقال تعالى في أول سورة الملك: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، وقال تعالى في أول الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً، يفسر قوله: (لِيَعْبُدُونِ)، وخير ما يفسر به القرآن القرآن. ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولاً وبعثهم ثانياً هو جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته؛ وذلك في قوله تعالى في أول سورة يونس: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:4]، وقوله في النجم: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]. وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى أي: مهملاً لم يؤمر ولم ينه، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت، أي: ويجازيه على عمله، قال تعالى: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40]، والبراهين على البعث دالة على الجزاء. يعني: جميع الأدلة التي تدل على البعث والنشور هي نفسها تدل على الجزاء؛ لأن البعث والنشور لحكمة الجزاء. ثم يقول الشنقيطي : وقد نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن هذا الظن الذي ظنه الكفار به تعالى، وهو أنه لا يبعث الخلق ولا يجازيهم، منكراً ذلك عليهم في قوله تبارك وتعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]. ثم يقول: اعلم أن الآيات الدالة على حكمة خلق الله للسماوات والأرض وأهلهما وما بينهما، قد يظن غير المتأمل أن بينهما اختلافاً، والواقع خلاف ذلك؛ لأن كلام الله لا يخالف بعضه بعضاً، وإيضاح ذلك: أن الله تبارك وتعالى ذكر في بعض الآيات أن حكمة خلقه للسماوات والأرض هي إعلام خلقه بأنه قادر على كل شيء، وأنه محيط بكل شيء علماً، يقول تعالى في آخر سورة الطلاق: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]. إذاً: هذه الآية نصت على حكمة خلق الله للسماوات والأرض لماذا؟ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]. وذكر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم أنه خلق الخلق ليبين للناس كونه هو المعبود وحده، كقوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] ثم أقام البرهان على أنه إله واحد بقوله بعده: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [البقرة:164] إلى قوله: لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ولما قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] بين أن خلقهم برهان على أنه المعبود وحده، بقوله بعده: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]. والاستدلال على أن المعبود واحد بكونه هو الخالق كثير جداً في القرآن، يقول تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الفرقان:2-3] وقال تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16] وذكر في بعض الآيات أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي الناس، وذلك في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]. وذكر في بعض الآيات أنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم، وذلك في قوله تعالى: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ [يونس:4] وذكر في آية الذاريات هذه أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه. فقد يظن غير العالم أن بين هذه الآيات اختلافاً، مع أنها لا اختلاف بينها؛ لأن الحكم المذكور فيها كلها راجع إلى شيء واحد، وهو معرفة الله وطاعته، ومعرفة وعده ووعيده، فقوله: ((لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، وقوله: ((اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)) راجع إلى شيء واحد هو العلم بالله؛ لأن من عرف الله أطاعه ووحده. وهذا العلم يعلمهم الله إياه، ويرسل لهم الرسل بمقتضاه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، فالتكليف بعد العلم، والجزاء بعد التكليف، فظهر بهذا اتفاق الآيات بأن الجزاء لابد له من تكليف. هل يحاسب الله من هو غير مكلف؟ لا، لا يحاسب الله إلا من هو مكلف، والإنسان لا يصير مسئولاً عن الحق إلا بعد أن يعلمه، وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فإذاً: هناك تلازم بين هذه الأمور كلها. ثم يقول الشنقيطي رحمه الله: فظهر بهذا اتفاق الآيات بأن الجزاء لابد له من تكليف، وهو الابتلاء المذكور في الآيات، والتكليف لابد له من علم، ولذا دل بعض الآيات على أن حكمة الخلق للمخلوقات هي العلم بالخالق، ودل بعضها على أنها الابتلاء، ودل بعضها على أنها الجزاء، وكل ذلك حق لا اختلاف فيه، وبعضه مرتب على بعض. وقد بينا معنى قوله تعالى: (إلا ليعبدون) في كتابنا: (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] أي: ولأجل الاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم، وفي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179] فهذه إرادة كونية قدرية، وأن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله تعالى: ((إلا ليعبدون)) إرادة دينية شرعية. وبينا هناك أيضاً الأحاديث الدالة على أن الله خلق الخلق منقسماً إلى شقي وسعيد، وأنه كتب ذلك وقدره قبل أن يخلقهم، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2]، وقال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]. والحاصل: أن الله دعا جميع الناس على ألسنة رسله إلى الإيمان به وعبادته وحده، وأمرهم بذلك، وأمره بذلك مستلزم للإرادة الدينية الشرعية. يعني: أنه قد يقع وقد لا يقع، وأن الله يحب هذا الذي يأمر به ويرضاه بخلاف الإرادة التكوينية القدرية. ويقول رحمه الله: ثم إن الله جل وعلا يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء بإرادته الكونية القدرية، فيصيرون إلى ما سبق به العلم من شقاوة وسعادة. وبهذا تعلم وجه الجمع بين قوله تعالى: ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ))، وقوله: ((وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) وبين قوله: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)). إذاً: قوله: ((وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) اللام فيها تدل على الإرادة الكونية القدرية، لكن قوله: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) اللام فيها تدل على الإرادة الشرعية الدينية. *
*******************************************************
a*h
***

















0 التعليقات:

إرسال تعليق